الأربعاء، 28 مايو 2008

من الحسن البصرى إلى عمر بن عبد العزيزFrom elbasry to omar ben abd elazez


لقد طلب عمر بن عبد العزيز من الحسن البصرى أن يصف له الإمام العادل فكتب إليه :
" اعلم يا أمير المؤمنين أن الله قد جعل الامام العدل قوام كل مائل وقصد كل جائر( أي هو الذي يحمل الجائر على القصد و عدم الظلم ) وصلاح كل فاسد ، وقوة كل ضعيف ، ونصفة كل مظلوم ، ومفزع كل ملهوف . والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعى الشفيق على إبله , الرفيق الذى يرتاد لها أطيب المراعى, ويذودها عن مراتع الهلكة ، ويحميها من السباع ويكنها من أذى الحر والقر( البرد الشديد ) , والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأ ب الحانى على ولده ء يسعى لهم صغارا ويعلمهم كباراً, ويكتسب لهم فى حياته ويدخر لهم بعد مماته ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأ م الشفيقة البرة الرفيقة بولدها حملته كرها ووضعته كرها وربته طفلاً، تسكن بسكونه ، ترضعه تارة وتقطعه أخرى، وتفرح بعافيته وتهتم بشكايته ، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كوصى اليتامى وخازن المساكين يربى صغيرهم ويمون كبيرهم . والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح تصلح الجوانح بصلاحه وتفسد بفساده ، والإمام العدل يا أميرالمؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم ، وينظر إلى الله ويريهم ، وينقاد إلى الله ويقودهم « فلا تكن يا أمير المؤمنين كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله ، فبدد المال وشرد العيال ، فأفقر أهله وفرق ماله . واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزع بها عن الخباثث والفواحش ، فكيف إذا أتاهم من يليها، وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده ، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم . واذكريا أمير المؤمنين الموت وما بعده ، وقلة أشياعك عنده , وأنصارك عليه ء فتزود له ، ولما بعده من الفزع الأ كبر، واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذى أنت فيه ، يطول فيه ثواؤك ( أي مقامك ) ، ويفارقك أحباؤك ، يسلمونك فى قعره فريدا وحيدا، فتزود له بما يصحبك : ﴿ يوم يفر المرء من أخيه ء وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ﴾ واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما فى القبور وحصل ما فى الصدور، فالأ سرار ظاهرة ، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فالآن يا أمير المؤمنين وانك فى مهل ، وقبل حلول الأ جل ، وانقطاع الأ مل . لا تحكم يا أمير المؤمنين بحكم الجاهلين ، ولا تسلك بهم فى سبيل الظالمين ، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين ، فإنهم لا يرقبون فى مؤمن إلاً ولا ذمة ، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك ، وتحمل أثقالك وأثقالاً مع أثقالك ، ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيها بؤسك ، ويأكلون الطيبات فى دنياهم بذهاب طيباتك فى آخرتك ، لا تنظر إلى قدرتك اليوم ، ولكن انظر إلى قدرتك غدا، وأنت مأسور فى حبائل الموت ، وموقف بين يدى الله فى مجمع الملائكة والنبيين والمرسلين ﴿ وعنت الوجوه للحى القيوم﴾ وإنى يا أميرالمؤمنين ، وان لم أبلغ بعظتى ما بلغه أولو النهى من قبلى لم آلٌ شفقة ونصحا، فأنزل كتابى عليك كمداو حبيبه يسقيه الأ دوية الكريهة ، لما يرجو له من العافية والصحة . . والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الثه وبركاته 0"

ونرى من ذلك الكتاب القيم الذى ذكرفيه ذلك التابعى - التقى الإمام العادل – عموم صفة العدل , حتى شملت العدالة القانونية التى توجب خضوع الحاكم للأحكام التى شرعها القرآن وبينتها السنة ، فلا يعفى الإمام من الحد إن ارتكب ما يوجبه , ولا يعفى من القصاص إن اعتدى على أحد , وعلى ذلك أجمع جمهور الفقهاء . كما شمل العدالة الاجتماعية , التى تنظم أساس التكافل الاجتماعى ,وكما شمل العدالة الإدارية التى توجب أن يكون الولاة خاضعين للعدل , ولا يتسلطون ليخضعوا الرقاب ، ويذلوا المسلمين , وقد شمل الكتاب أيضا الإشارة إلى تصريف موارد الدولة بالأ مانة وحسن التدبير فى أموالها . . وهكذا نجد الكتاب قد تعرض لصفات الحاكم العدل كلها بالعبارة تارة ، وبالإشارة أخرى .

ليست هناك تعليقات: