الخميس، 9 أكتوبر 2008

العبور والتسول


العبور والتسول «2»



07/10/2008
وائل عبد الفتاح

warafa86@yahoo.com

جمال مبارك.. يكبرني بعام أو عامين.. وهو ابن الرئيس الذي وصل إلي قصر الرئاسة مرتبكا يتمني قضاء نهاية الخدمة في عاصمة الإكسلانسات..
لكن السادات وهو يبحث عن جيل بعيد عن الضباط الأحرار اختاره وسلمه مصر هدية لم تُرَد حتي الآن.جمال ابن مرحلة التحول من العبور إلي التسول.
. يتصور أن مهمته هي «ستر» أهالي العجوزة بوحدة سكنية.. منطق أهل الإحسان ونسي أن هؤلاء أنفسهم هم «صُنّاع النصر الحقيقيين» الذين تعرضوا اليوم وبعد 35 سنة من نصر أكتوبر إلي إهانات متلاحقة بسبب سياسات طردتهم من رحمة الدولة..
ونقلتهم من وضع شركاء في المعجزة إلي عجزة يتسولون إعلانات التليفزيون والتبرعات والصدقات لإطعامهم «في بنك الطعام» أو مؤسسات خيرية تقوم علي الزكاة «مصر الخير» أو مستشفيات يظهر فيها أطفال مرضي بالسرطان «في مشاهد ضد القانون والأخلاق» لطلب تبرعات.. إنها سياسة «التسول» بدلاً من اعتماد سياسة تنمية تقيم المصانع والمدارس وتحسن مستويات الخدمة في المستشفيات.الخلل بين الأعمال الخيرية والتنمية يحول التسول إلي سياسة «مشروعة» يبررها منطق أن الشعب عبء علي النظام.
. وهو منطق يطرد روح المعجزة في أكتوبر ويثبت بدلاً منها مشاعر مضطربة بين الاحتقان والسخط وعدم القدرة علي التحرك العاقل..
مشاعر لا تقود إلي التغيير، بل إلي وضع عجيب تشعر فيه بحرارة نار متقدة علي السطح بينما الجسم بارد.. نار تتحول إلي رماد مثير للأسي.هذه هي روح التسول التي حلت محل روح العبور.. انكسرت روح التحدي وصناعة المستحيل وانتشرت روح الاستجداء و« في خدمتك يا باشا».. و«تحت أمرك».النصرأهدي السلطة إلي مبارك والثروة إلي مجموعة ضيقة حوله.
. وبقت شرائح واسعة من المجتمع خارج الحسابات.. يشعرون بأن البلد بالتدريج أصبح بلدهم يعيشون فيه علي إحسان الرئيس ومن حوله..
وهذا يفسر شماتة قطاعات كبيرة في الكوارث.. ويفسر ما قاله شاب علي المقهي أمس لصديقه: «.. هل تتصور أنه لو قامت حرب اليوم سأهتز؟!.. لن أتحرك.. ولو مرت دبابة إسرائيلية في الشارع الذي نحن فيه لا فرق بينها وبين دورية من دوريات البوليس..
البلد دي إحنا مضطرين نعيش فيها ومش بتاعتنا»..وبعيدًا عن محاضرات الانتماء فكلام الشاب يصيب بالوجع، وعلي العكس لا يعبر عن «عدم انتماء» كما يمكن أن تصفه النظرة الأولي السطحية..
لكنه تمرد سلبي علي سرقة البلد.. دون القدرة علي فعل شيء.لايمكن لمتسول أن ينتمي.. والمسروق لو لم تعد له حقوقه سيستعيدها بالتخريب أو بالاقتناص أو باللعنة علي البلد ومن فيها.سرقة الروح الكبيرة التي صنعت العبور.
. أفقدت مبارك الفرصة في خلق شرعية جديدة لنظام حكمه.. شرعية يوليو انتهت تقريبًا في تعديلات الدستور «2006».. انته سريعًا وهم «شرعية أكتوبر» لأن النظام نفسه دمرها قبل أن تصبح حقيقة.. واختصر الانتصار في شخص واحد لم يكن في الصدارة.
وهذه أول ذكري تمر ومبارك منفرد بميراث أكتوبر بعد غياب المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة واستمرار الإقامة شبة الإجبارية للفريق سعد الدين الشاذلي.. والصمت الإجباري الذي فرض علي قادة مثل المشير عبد الغني الجمسي «قبل رحيله»..
هؤلاء جميعًا يتقدمون مبارك في شراكة النصر.. وإبعادهم كان إقصاءً تدريجياً لشرعية النصر.مبارك أيضًا لم ينتقل من شرعية أساطير الثورة والحرب إلي شرعية صندوق الانتخابات.. وظلت الشرعية المتاحة خليطاً إعلامياً من «الضربة الجوية».. و«هامش الديمقراطية».. شرعية لم تكتمل أبداً.

ليست هناك تعليقات: